مصنع التّن بسيدي داود في القرن التاسع عشر: من امتياز بايليك إلى مشروع عائلي بآفاق متوسطية"
الملخص
ظلّ صيد التونة في تونس صناعة إيطالية بحتة، تُمارسها أطقم صيد صقلية وتُوجَّه إلى سوق يكاد يكون حصريًا إيطاليًا.
في عام 1824، منح الباي حسين حق صيد التونة في رأس زبيب إلى جوزيبي ماريا رافو، وهو جنويّ مقيم في تونس. وبعد ذلك بعامين، في نوفمبر 1826، منح نفس الباي لرافو لزمة لمدة ست سنوات لصيد التونة على سواحل الرأس الطيب، وخاصة في جزيرة سيدي داود.
تأسيس مصيدة التونة في سيدي داود كان امتدادًا لنشاط قديم متجذر في تونس، وهو صيد التونة. ولا شك أن الأرباح المحققة من استغلال هذا المورد جعل الفرنسيين يحثّون التجار والصيادين على الاستقرار على السواحل التونسية. ومع ذلك، فإن مراجعتنا للأرشيفات كشفت أن عائلة رافو احتكرت هذا الامتياز لما يقارب قرنًا من الزمن. ويرجع اهتمام الإيطاليين بهذا القطاع إلى خبرتهم الواسعة في هذا المجال.
كما أن نشاط عائلة رافو يندرج ضمن جهود بعض الفئات من الأجانب المقيمين في تونس، والذين انخرطوا في مشروع بناء الدولة الحديثة من خلال إعلان ولائهم لسلطة البايات. وقد منحهم الباي لزمات، بعضها كان مؤشرًا على بداية عملية التصنيع في تونس، عندما كانت في مراحلها الأولى قبل عهد أحمد باي. وقد تعزز نموذج مصيدة سيدي داود، التي تعود نشأتها إلى عام 1825، في منتصف القرن التاسع عشر. وكان الانتقال من لزمة للباي إلى مشروع عائلي ذي امتداد متوسطي تطورًا طبيعيًا يعكس بوضوح عملية تحويل النشاط الاقتصادي إلى إرث مستدام.